مغامرات عابر سنام: نظرات أبو حمود

مغامراتي العابرة للسنام مستمرة خصوصاً مغامرتي الخاصة مع الأخ العزيز مبارك حمود العارضي المطيري (أبو حمود). سيكتشف القاريء الكريم خصوصية علاقتي بهذا الرجل من عدد المغامرات التي حدثت معه وعند مراح إبله وتأثيره على أفكاري بخصوص الأبل وغيرها. فيما يلي ما أسميته نظرات أبو حمود كون وجهة نظره حررتني من بعض القيود العملية وفتحت لي آفاق جديدة للدراسة



في بدايات سنة ٢٠٢٠ وبينما كان العالم يعاني من وباء الكرونا، إرتأت حكومة دولة الكويت تطبيق الحظر الجزئي حماية للمقيمين على أرضها من تفشي الوباء وانتقاله السريع. كان للحظر أثره على نفسي وضقت منه. وللترويح عن نفسي الضائقة عزمت على  الذهاب إلى مراح إبل بو حمود مع بدايات ساعات السماح بالتجول. بعد صلاة الفجر وقبل الشروق الكلي للشمس صنعت لنفس القهوة الضرورية لمسامرتي في الطريق الطويل وقدت سيارتي متوجهاً إلى العبدلي في شمال دولة الكويت. في الطريق رأيت العديد من سيارات الأجهزة الأمنية في أرتال تعود إلى مراكزها بعد عمل ليل طويل حفاظاً على النظام والذي يشكرون عليه والذي أظنهم يعودون لتكراره بعد فترة راحة نسبية ومع عودة ساعات الحظر

كان طريق العبدلي يخلو من السيارات مما جعل القيادة مريحة وممتعه في نفس الوقت. وصلت إلى مراح إبل أبو حمود وسرني رؤية سيارته بالقرب من مسكنه المتنقل المسمى (شاليه). هذا المسكن عبارة عن صندوق حديدي بطول العشرة إلى اثناعشر متراً وعرض يقارب الثلاث إلى أربعة أمتار وارتفاع الثلاث أمتارعلى عجلات كثيرة. لا يستطيع جر هذا الصندوق العملاق أي من سيترات الدفع الرباعي ولا يقوى على وزنها إلا الشاحنات أو حاويات الماء التي نسميها تنكر ماء

كان الهدوء يسود المكان إلا من حركات بعض النوق ورغاء البعض الآخر إنذاراً بجوعها وطلباً للوجبة الغذائية الأولى. أوقفت سيارتي بمحاذاة الجدار الشبكي الخارجي وبعيداً عن مكان نوم أبو حمود حتى لا أوقظه. نزلت من سيارتي ومشيت حول مراح الإبل سعيداً بحركة عضلاتي بعد أسابيع وأسابيع من قلة الحركة. بعد أربع أو خمس دورات حول شباك الإبل رأيت الراعي يخرج من مسكنه المتنقل أيضاً والذي يصغر عن ذاك الذي يقيم أبو حمود به إن دعت الحاجة. عرفني وحياني من بعيد. الراعي “جمشيد” الذي أظن أنه أحس بوجودي من أصوات الإبل المنذرة بوجود شيء ما أو حضور فرد ما. رددت التحية بمثلها وأشرت له أنني لا أحتاج أياً من علامات الترحيب وممارسات الضيافة



إستمر تطوافي حول الإبل لأكثر من ساعة مراقباً الأعمال الإعتيادية التي يقوم بها جمشيد والراعي الآخر (أمين) من توفير الوجبة الصباحية والتنظيف المحدود. بعد فروغهم من هذه الأعمال اقترحوا علي إيقاظ أبو حمود الأمر الذي عارضته بشدة. وبينما نحن بين إيقاظه من عدمه رأيناه يفتح باب الصندوق ويخرج منه ماشياً باتجاهنا. سلّم علي كأني قد تركته منذ ساعات مما جعلني أشعر بسعادة وراحة بالغتين



سارع الراعي بإخبار أبو حمود نبأ موت طراح (أي مولود) الليلة الماضية وقاده لزاويةٍ وضع بها الوليد الميت داخل كيس من أكياس العلف. رآه أبو حمود وردد عبارات الرضا بما جاء من الله. شعرت بحزن يغزو قلبي وسببه أن قدومي مقدم نحس وشؤم ولهذا الموضوع بالخصوص مغامرة أخرى لي مع أبو حمود أسميتها (طراح مبارك مبارك) سأرويها لاحقاً. لم أظهر إنزعاجي خصوصاً حين دعاني للجلوس وتبادل أطراف الحديث. تطرقنا إلى موضوعات عدة أغلبها يدور حول أوضاع الوباء في الكويت وآمالنا بالتغير القريب. ثم كما هو متوقع جرنا الحديث إلى الإبل وأحوالها. شاركته بعض المعلومات التي قرأتها منذ مدة عن أوضاع الإبل في الهند وانخفاض أعدادها الذي قد يؤدي لانقراضها

قلت: يا أبو حمود إن التمدن والتطور التكنولوجي قلل من الحاجة للإبل كحيوان متكامل قادر على تقديم الغذاء والتنقل في البيئات القاسية. إن انعدام وجود أسواق تعتمد على الإبل ومنتجاتها يجعل من تربيتها غير مجدي إقتصادياً. في الهند مثلاً يتجه الجيل الجديد من القبائل المروفة تاريخياً بتربية وإنتاج الإبل إلى الحياة الكدنية والتجارات الأسرع ربحية والصناعات الأسهل تسويقاً. كل ما أخشى يا أبو حمود أن تتناقص أعداد إبلنا وتنقرض لنفس الأسباب

إبتسم إبتسامته المعهودة وبحماسة هادئة قال لي كأن الحل لهذا التخوف بديهي ولا يستحق التفكير والتأمل

قال: هل تؤمن أن الله تعالى متكفل بحفظ كتابه القرآن الكريم

قلت: نعم بالطبع

قال: ألم تقرأ “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت” في سورة الغاشية

قلت: بلى قرأتها وتأملت مفرداتها ومعانيها

قال: لكن تأملك غاب عنه أن ذكرها في القرآن والحث على النظر إليها يعني أيضاً أن الله جل وعلا متكفلٌ بحفظها من الإنقراض. إذ إنه من غير المتصور أن تنقرض الإبل ويستمر ذكرها بالقرآن الكتاب الخاتم. أليس من المستبعد أن يأتي في المستقبل من يقرأ القرآن ولا يجد الإبل المشار إليها. من المنطقي أن من يقرأ القرآن أن تكون الإشارات به موجوده لكل الأجيال وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. باختصار يا إبا علي إن إحتمالية انقراض الإبل معدومة كون انقراضها يتعارض مع صحة القرآن وحفظ الله لها

هزّني تحليله الذي لم يرد على بالي ولا قرأته في أي مكان. أظن أن تعابير الذهول كلنت بادية على وجهي وفمي المفتوح إحتاج إلى ما يغلقه

سألني: ماذا تظن

أجبت بما أغلق فمي وأعاده إلى وضعه الطبيعي: عجيب

فأضاف: خلاصة القول يا دكتور لا تشغل نفسك بالخوف على الإبل وانشغل بدراساتك عنها واجعل تركيزك على ذلك. إن الله سخّرها وسخّر بعضنا لها. فكم من عاشقٍ ومربي للإبل لا يستطيع تفسير هذا الشغف بها

قلت: سبحان الله الذي ألقى حب “عطايا الله” في قلوب عباد الله

شعرت بالحرية والرغبة للتحليق في فضاء دراسات الإبل ومتعلقاتها. هذه الجلسة لم تنتهي مغامراتها وأحاديثها ولكن أرجئ مغامرة “أسرار العتاري” إلى وقت لاحق