Below is the presentation of my graduate student, Tasneem E. Maraqa, and about her discovery of a mutation within FGF5 gene and its association with hair length in camels. Enjoy!
مغامراتي العابرة للسنام مستمرة خصوصاً مغامرتي الخاصة مع الأخ العزيز مبارك حمود العارضي المطيري (أبو حمود). سيكتشف القاريء الكريم خصوصية علاقتي بهذا الرجل من عدد المغامرات التي حدثت معه وعند مراح إبله وتأثيره على أفكاري بخصوص الأبل وغيرها. فيما يلي ما أسميته نظرات أبو حمود كون وجهة نظره حررتني من بعض القيود العملية وفتحت لي آفاق جديدة للدراسة
في بدايات سنة ٢٠٢٠ وبينما كان العالم يعاني من وباء الكرونا، إرتأت حكومة دولة الكويت تطبيق الحظر الجزئي حماية للمقيمين على أرضها من تفشي الوباء وانتقاله السريع. كان للحظر أثره على نفسي وضقت منه. وللترويح عن نفسي الضائقة عزمت على الذهاب إلى مراح إبل بو حمود مع بدايات ساعات السماح بالتجول. بعد صلاة الفجر وقبل الشروق الكلي للشمس صنعت لنفس القهوة الضرورية لمسامرتي في الطريق الطويل وقدت سيارتي متوجهاً إلى العبدلي في شمال دولة الكويت. في الطريق رأيت العديد من سيارات الأجهزة الأمنية في أرتال تعود إلى مراكزها بعد عمل ليل طويل حفاظاً على النظام والذي يشكرون عليه والذي أظنهم يعودون لتكراره بعد فترة راحة نسبية ومع عودة ساعات الحظر
كان طريق العبدلي يخلو من السيارات مما جعل القيادة مريحة وممتعه في نفس الوقت. وصلت إلى مراح إبل أبو حمود وسرني رؤية سيارته بالقرب من مسكنه المتنقل المسمى (شاليه). هذا المسكن عبارة عن صندوق حديدي بطول العشرة إلى اثناعشر متراً وعرض يقارب الثلاث إلى أربعة أمتار وارتفاع الثلاث أمتارعلى عجلات كثيرة. لا يستطيع جر هذا الصندوق العملاق أي من سيترات الدفع الرباعي ولا يقوى على وزنها إلا الشاحنات أو حاويات الماء التي نسميها تنكر ماء
كان الهدوء يسود المكان إلا من حركات بعض النوق ورغاء البعض الآخر إنذاراً بجوعها وطلباً للوجبة الغذائية الأولى. أوقفت سيارتي بمحاذاة الجدار الشبكي الخارجي وبعيداً عن مكان نوم أبو حمود حتى لا أوقظه. نزلت من سيارتي ومشيت حول مراح الإبل سعيداً بحركة عضلاتي بعد أسابيع وأسابيع من قلة الحركة. بعد أربع أو خمس دورات حول شباك الإبل رأيت الراعي يخرج من مسكنه المتنقل أيضاً والذي يصغر عن ذاك الذي يقيم أبو حمود به إن دعت الحاجة. عرفني وحياني من بعيد. الراعي “جمشيد” الذي أظن أنه أحس بوجودي من أصوات الإبل المنذرة بوجود شيء ما أو حضور فرد ما. رددت التحية بمثلها وأشرت له أنني لا أحتاج أياً من علامات الترحيب وممارسات الضيافة
إستمر تطوافي حول الإبل لأكثر من ساعة مراقباً الأعمال الإعتيادية التي يقوم بها جمشيد والراعي الآخر (أمين) من توفير الوجبة الصباحية والتنظيف المحدود. بعد فروغهم من هذه الأعمال اقترحوا علي إيقاظ أبو حمود الأمر الذي عارضته بشدة. وبينما نحن بين إيقاظه من عدمه رأيناه يفتح باب الصندوق ويخرج منه ماشياً باتجاهنا. سلّم علي كأني قد تركته منذ ساعات مما جعلني أشعر بسعادة وراحة بالغتين
سارع الراعي بإخبار أبو حمود نبأ موت طراح (أي مولود) الليلة الماضية وقاده لزاويةٍ وضع بها الوليد الميت داخل كيس من أكياس العلف. رآه أبو حمود وردد عبارات الرضا بما جاء من الله. شعرت بحزن يغزو قلبي وسببه أن قدومي مقدم نحس وشؤم ولهذا الموضوع بالخصوص مغامرة أخرى لي مع أبو حمود أسميتها (طراح مبارك مبارك) سأرويها لاحقاً. لم أظهر إنزعاجي خصوصاً حين دعاني للجلوس وتبادل أطراف الحديث. تطرقنا إلى موضوعات عدة أغلبها يدور حول أوضاع الوباء في الكويت وآمالنا بالتغير القريب. ثم كما هو متوقع جرنا الحديث إلى الإبل وأحوالها. شاركته بعض المعلومات التي قرأتها منذ مدة عن أوضاع الإبل في الهند وانخفاض أعدادها الذي قد يؤدي لانقراضها
قلت: يا أبو حمود إن التمدن والتطور التكنولوجي قلل من الحاجة للإبل كحيوان متكامل قادر على تقديم الغذاء والتنقل في البيئات القاسية. إن انعدام وجود أسواق تعتمد على الإبل ومنتجاتها يجعل من تربيتها غير مجدي إقتصادياً. في الهند مثلاً يتجه الجيل الجديد من القبائل المروفة تاريخياً بتربية وإنتاج الإبل إلى الحياة الكدنية والتجارات الأسرع ربحية والصناعات الأسهل تسويقاً. كل ما أخشى يا أبو حمود أن تتناقص أعداد إبلنا وتنقرض لنفس الأسباب
إبتسم إبتسامته المعهودة وبحماسة هادئة قال لي كأن الحل لهذا التخوف بديهي ولا يستحق التفكير والتأمل
قال: هل تؤمن أن الله تعالى متكفل بحفظ كتابه القرآن الكريم
قلت: نعم بالطبع
قال: ألم تقرأ “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت” في سورة الغاشية
قلت: بلى قرأتها وتأملت مفرداتها ومعانيها
قال: لكن تأملك غاب عنه أن ذكرها في القرآن والحث على النظر إليها يعني أيضاً أن الله جل وعلا متكفلٌ بحفظها من الإنقراض. إذ إنه من غير المتصور أن تنقرض الإبل ويستمر ذكرها بالقرآن الكتاب الخاتم. أليس من المستبعد أن يأتي في المستقبل من يقرأ القرآن ولا يجد الإبل المشار إليها. من المنطقي أن من يقرأ القرآن أن تكون الإشارات به موجوده لكل الأجيال وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. باختصار يا إبا علي إن إحتمالية انقراض الإبل معدومة كون انقراضها يتعارض مع صحة القرآن وحفظ الله لها
هزّني تحليله الذي لم يرد على بالي ولا قرأته في أي مكان. أظن أن تعابير الذهول كلنت بادية على وجهي وفمي المفتوح إحتاج إلى ما يغلقه
سألني: ماذا تظن
أجبت بما أغلق فمي وأعاده إلى وضعه الطبيعي: عجيب
فأضاف: خلاصة القول يا دكتور لا تشغل نفسك بالخوف على الإبل وانشغل بدراساتك عنها واجعل تركيزك على ذلك. إن الله سخّرها وسخّر بعضنا لها. فكم من عاشقٍ ومربي للإبل لا يستطيع تفسير هذا الشغف بها
قلت: سبحان الله الذي ألقى حب “عطايا الله” في قلوب عباد الله
شعرت بالحرية والرغبة للتحليق في فضاء دراسات الإبل ومتعلقاتها. هذه الجلسة لم تنتهي مغامراتها وأحاديثها ولكن أرجئ مغامرة “أسرار العتاري” إلى وقت لاحق
يجذبني في دراسة الجمل بُعدان إثنان. البُعد الأول هو الجانب العلمي والبيولوجي لاسيما للجمل والخصائص التي تجعل منه حيواناً فريداً بصفاته بالمقارنة مع باقي الحيوانات والكائنات. أما البعد الثاني فهو البعد الثقافي والتراثي واللغوي. إن الجمل متغلغل في تراثنا العربي، والكثير من مفردات لغتنا وأمثالنا وأشعارنا نسجت من الجمل وعلى تفاصيله وأحواله. لقد أسميت رغبتي في دراسة الجمل “رحلةٌ حول الجمل”. إن رحلتي هذه حول الجمل ابتدأت منذ سنين وبإذن الله ستمتد ما أطال الله في عمري وشد من عزيمتي بالرحمة والتوفيق والسداد
الدروميداري عند الحداري
فيما يلي أحداث رحلة من رحلاتي ومغامرة من مغامراتي والتي أتت على غير تخطيط مسبق أو إعداد وتجهيز. إن معلمي الأول في أحوال الإبل هو أخي العزيز عبداللطيف الحداري (أبو خالد). كنت قد خاطبته لتحديد موعدٍ لزيارته في مَراح إبله حتى أسأله عن بعض المفردات التي أجهلها وحتى أقوم ببعض التجارب لكيفية أخذ قياسات الجمل وجمع عينات الحمض النووي. إعتذر لي أبو خالد عن عدم قدرته على التواجد يومئذ في مَراح جِماله ونياقه وذلك لرغبته في حضور ما يسمى ب (هجيج) الإبل في مسابقات الموروث الشعبي لقبيلة مطير. شكرته على إعلامي بغيابه وطلبت منه معلومات المسابقات وأوقاتها. ذهبت بصحبة طالبين من طلبتي في الجامعة وهما فهد معيوف العنزي ورشيد سالم الطوالة لمشاهدة فعاليات هذا السباق في منطقةٍ تسمى السالمي في غرب دولة الكويت
الهجيج
إن هجيج الإبل هو سباق يشارك فيه المتسابقون كل واحدٍ بعدد من الإبل أظن أنها عشرة من الإبل لقطع مسافة ٢٠ كيلومتر. تنطلق الإبل من خط البداية تحدوها وتشجعها سيارات الدفع الرباعي لأصحابها. لم أرى هجيج الإبل في بدايته إنما رأيت نهاياته. رؤية النوق تمشي سريعاً غريبة بالنسبة لي حيث أن الأبل تحرك الأطراف التي في الجهة اليمنى (اليد اليمنى والرِّجل اليمنى) سوياً ،من ثم تحرك أطراف الجهة اليسرى سوياً. و هذا ما يجعل من مشيها السريع كأنه تمايلٌ أو تراقصٌ ذات اليمين وذات الشمال. من جانبٍ تبدو النوق وكأنها تمشي على غير هدىً ولا تدري من أين وإلى أين الركض كله. غير أن جانباً آخر يبدو وكأنه استعراض لجماليات البدن دون الرقبة والرأس. خلافاً لسباقات الإبل المسماة (سباقات الهجن) والتي تعدو بها النياق سريعاً دونما تمايل بل وثباً اليدان تتحركان معاً (تقريباً) تليهما الرجلان معاً وتكون رقبة الناقة المتسابقة مرتفعةً ورأسها مرفوعاً عالياً، فإن رقبة الناقة في سباق الهجيج وإن كانت مفرودةً ممتدةً بشكل أفقي فإنها منخفضةً دون مستوى السنام والأكتاف
المزاين
لم تكفني تجربة هجيج الإبل ولم أُشبع رغبتي في رؤية النوق والجمال. كان اليوم الذي يلي السباق الطويل هو يوم بداية مسابقات (مزاين) الإبل. مزاين الإبل هي مسابقة لاستعراض جَماليات الإبل. تكون المسابقات لكل نوع على حده وفي مسابقة كل نوع تتفرع منه مسابقات. أولى المسابقات هي مزاين المجموعة وتدخل الإبل للعرض بعدد ١٠ أو ١٥. تقيم لجنة التحكيم المجموعة ككل. تتلو مسابقة مزاين المجموعة عدد من المسابقات للنياق تسمى مسابقة (الفرديات) أي مسابقة النياق يشارك المتسابق بناقة واحدة لكل فئة. لمسابقة فرديات النياق، تُقسم النوق إلى مجموعتين (دِق و جِل) والتي تعني النياق الصغيرة والكبيرة. هذا في جانب مسابقات إناث الإبل، أما في جانب مسابقات الذكور من الأبل في مسابقة (القعدان) ويشارك المتسابق بذكر واحد يكون بعمر ١-٤ سنوات تقريباً
أبو صاهود
تجرأت على ترددي وعبرت وادي خوفي من رفض أصحاب الإبل ومربيها لدخيل مثلي وقررت الذهاب. في صباح يوم المسابقة الأول، استيقظت مبكراً بعد الساعة الخامسة فجراً بقليل وتجهزت لرحلتي إلى منطقة السالمي وحول الإبل. حطت رحالي عند بوابة ساحة المسابقات في الساعة السابعة والنصف. أُحب الحضور المبكر لأي مناسبة وموعد ولهذه المسابقة لم أرد أن تفوتني فائته من فعاليات هذا اليوم ومسابقاته. لم أعلم أن الوقت المحدد لبداية دخول الإبل لساحة العرض هو وقت تقريبي والوقت عُرضةً للتغيير حسب ظروف الزمان والمكان والإبل والإنسان. رآني رجلٌ عند البوابة سألني عن سبب تواجدي وإن كانت لي حاجة. كان الرجل قبل حديثي معه يجهز ساحة المسابقات ويوجه بعض الأفراد لاتمام الترتيبات. إسمه أبو صاهود. بينت له أني مهتم في دراسة الإبل وأحوالها وتعلم عجائب “عطايا الله” من مربيها. لم أُتمم كلامي حتى دعاني إلى مقر الفعاليات وإلى خيمة على مسافة قريبة لشرب القهوة والحديث في دفءٍ عن برد صباح ذلك اليوم
مشعلةٌ وشعلة
أدخلني أبو صاهود إلى خيمةٍ كبيرة أسود لونها الخارجي واللون الداخلي من اللون الأحمر والأصفر والذهبي. هذه الألوان وحدها والضوء الخافت يبعثان في النفس الدفء والطمأنينة. قادني أبو صاهود إلى مشعلةٍ للنار كبيرة بها جبلٌ صغيرٌ من الجمر الأحمر المغطى برماد رمادي. كانت عيناي تجوبان المكان وتتركزان على المشعلة بجمرها المرتب وأباريق الشاي ودِلال القهوة المصطفة حول لهب النار كأنها تشكو برداً دائم. قاطَعَت سفري حول المشعلة يدٌ تمُدُّ فنجان قهوة عربية. البخار المبتعث منها والرائحة تنبآن عن ما بها من طيب الشراب. شربت القهوة ولم أهز الفنجان ولم أقل شيئاً فعاجلني الساقي بفنجان آخر. شربت القهوة ولخجلي من جعل الرجل يستمر بالوقوف إلى جانبي والاستمرار بسكب القهوة فنجاناً بعد آخر، هززت الفنجان إعلاناً بالاكتفاء. أُحضر الشاي ووضع كأسي على أطراف المشعلة. سألني أبو صاهود بعد أن انتهى من مكالمة سريعة عن المعلومات التي أرغب بمعرفتها عن الإبل. أجبته أني أريد أن أعرف الكثير لكن كبداية أريد أن أعرف الأنواع وصفاتها والفروقات بينها من ناحية البنيان الجسدي ولون الوبر. كان ما طلبت وكأنه ما لم يطلب منه من قبل. بدأ بالكلام عن الأنواع الخمس المشاركة وتشعبات كل منها وأن الجمال أغلبه في الوجه والرقبة وأن وأن وأن. كدت أحترق. ليس لقربي من المشعلة ولهبها وإنما لكون كراسة ملاحظاتي في سيارتي وعدم قدرتي على كتابة كم المعلومات المتدفق على عقلي بسرعة. قلت له أني أحب أن أكتب وأدون ما يقول لكني أستحي من حمل كراستي معي أمامه وأمام الآخرين. شجعني من حيث لا يدري بقوله أكتب ما تريد. في لحظتها دخل علينا رجلٌ صبوح الطلة والوجه وبعد سلامه عليَّ وعلى أبو صاهود، تبادلا الأحاديث وأنا أنصت لهما غير أن تفكيري هو بكراستي. إسم الرجل القادم هو (أبو شبيب) وهو من اللجنة المنظمة لمسابقات القبيلة. تنبه لوجودي بعد أن شرِب الشاي والقهوة وتعارفنا فرحَّب بي ودعاني للذهاب إلى ساحة العرض. هذه الدعوة الصادقة والكريمة أشعلت في داخلي شعلةً لمعرفة المزيد. كلماته التي وجهها لي أوقدت كل نيران المعرفة داخلي خصوصاً أني وجدت في دعوته فرصةٌ لا تعوض ولا تقدر بثمن للاختلاط بمن يعرف الإبل عن قرب. قدت سيارتي خلفهم وكل تفكيري أن هذه المرة كراستي ستنزل من السيارة قبلي ولن تفارقني لا كراستي ولا أي معلومة يقولها قائل وتختص بالإبل
صوت الصحراء
مشيت وكراستي وقلمي يسبقاني إلى بوابة ساحة العرض. عند البوابة وجدت رجل بشوش مبتسم إسمه (أبو أحمد) وهو من جمهورية السودان. فك القفل والسلسة وأدخلني وأعاد السلسلة والقفل على باب المدخل. أشار أبو أحمد إلى وسط الساحة حيث أرى عدد من سيارات الدفع الرباعي ورجال يحومون حول خيمة. سريعاً وأنا أمشي إنتخبت مما أعرف من مفردات التحية والسلام ما سأحيي به المتواجدين واخترت أيضاً ما هو مناسب للتعريف بنفسي وغايتي. سلمت على الرجال خارج الخيمة والذين كانوا منشغلين في إعداد القهوة والشاي حول نارٍ موقدة. في داخل الخيمة كان ما يقارب عشرة رجال متوزعين على كراسي مرتفعه عن أرضية الخيمة المفروشة بالسجاد الأحمر المنقوش. جلست صامتاً أستمع لما يدور من أحاديث. أفترس الوجوه إفتراساً. معظم النقاش كان يدور عن بداية استقبال المشاركين في ذلك اليوم وعن الشروط والتنظيم وغيره من أمور لم أفهمها. بينما الحال هكذا، دخل علينا رجلان، واحدٌ يحمل كاميرا وميكروفون وهو من الهند أظن والآخر بلباس خليجي واضح عليه اعتناءه بمظهره. من الكلمة المكتوبة على الميكروفون عرفت أن الرجلان ينقلان الفعاليات لمحطة (الصحراء). ينقلان صوت الصحراء وصورتها وما يجري بها وعلى أهلها وإبلها إلى العالم. إسم المقدم الأنيق هو أبو تركي. خاطب أبو تركي مجموعةً أن سوف يقوم بالبدأ بتسجيل مقابلة مع مجموعة من الحاضرين لتبيان شروط المسابقة ولأداء القسم. لم أرى الغاية من القسم حتى بدأ أبو تركي التسجيل. بعد مقدمة عامة وترحيب بالمشاهدين تذكر أن سوف تقوم لجنة تحكيم مسابقة مزاين الإبل بالقسم على حيادية التحكيم وصدقية التقييم. أقسم على نزاهة التحكيم كلُّ واحدٍ من المحكمين الأربعة بعد ذِكر اسمه. كنت واقفاً خلف الكاميرا وانتهزت الفرصة لأسجل ما أذكر من أسماء لجنة التحكيم
الجو الغائم وأولى الغنائم
ما ان انتهى المذيع الأنيق من تسجيل شهادة المحكمين حتى قام إلى مصوره وأعطاه بعض التعليمات لما يتوجب عليه تصويره. كنت واقفاً إلى جانب المصور فبادرني بالسلام والسؤال عن من أكون. أجبته بما حفظت عن ظهر قلب من جملي التعريفية. طلب تركي مني الجلوس لشرب القهوة وتبادل الحديث. أعطاني رقم هاتفه وطلب رقم هاتفي وقام من دون سؤالي بتسجيل عشرة ثواني على برنامج التواصل (سناب شات) يحضّر للقائي. قال لي هيا لك عشرة ثوانٍ قادمة. صدمت وتلعثمت وكأنما لساني قد عُقِل كما تُعقَل الأبل. أعاد التسجيل بعد أن تجهزت وقلت جملة أو جملتين. قبل أن يذهب إلى مسؤولياته بشّرني أن سوف أرى عجباً وأتعلم كثيراً إن كانت رغبتي التعلم. صدق تركي. كان صوت تركي العالي ونقاشه معي بشكل مسموع جعل لجنة التحكيم والجالسين حولهم ينتبهون لوجودي. وزاد من هذا الإنتباه الأجواء الغائمة وبدايات هطول المطر. كان الرذاذ المتساقط يعيق عملية التحكيم ومراسيم عرض وقياس جَمال الإبل. كانت فرصتي. هطلت عليّ أمطارٌ غير أمطار السماء
أمطار أبا مطر
هطلت عليّ اسئلة ابو مطر الدوسري، الذي هو من لجنة التحكيم. صدفة جميلة أن تهطل أمطار السماء و أمطار ابا مطر في آنٍ واحد. كان جوابي على أن اهتمامي بالإبل و قدومي للمزاين هو حاجتي لمعرفة الجمل من أهل الإبل ومربيها. في سياق سردي لما تعلمته في السابق ، ذكرت ما تبين لي لاحقا أنه فهمٌ خاطىء عن تسمية أعمار الجمل، حيث أبدلت (الحق) بـ(اللقي)، خطئي جعل البعض يضحك، فلم اهتم للضحكات كعادتي، خصوصا و أنني قد أتيت للتعلم، ولا يضر الجهل بالمرء شيئاً إلا إذا استمر الجهل بعد المعرفة والعلم. تساءل ابو مطر عن أهم ما أود معرفته، فأجبت بأن رغبتي هي تدوين وترجمة وترتيب أوصاف الإبل وأنواعها بشكل عام ، مع التركيز على الصفات الظاهرية التي لابد و أن تكون وراثيى المنشأ. أشار باصبعه إلى رجل صموت، يلتف بعباءة نسميها (البشت). رأيت الرجل أكبر الحاضرين سناً، وذو بنيةٍ نحيلة، وقسمات وجهٍ هادتة و أبوية. قال ابو مطر إن أردت العلم والمعرفة فعليك بأبي فواز، فهوأعلمنا و أكثرنا دراية. أظن أن مالم يقله هو أن أبي فواز أكثر المتواجدين صبراًعلى إسئلتي اللامتناهية والساذجة بعض الأحيان.
ممسكاً أطراف العباءة
أبو فواز هو محسن بن فواز الشيباني، و أحد المحكمين لمزاين الإبل. اقتربت منه، فرحّب بي ولم يتكلم. فتحت دفتري و أريته ما قد كتبت سابقاً من معلومات، نظر سريعاً وقال: الأنسب أن تحضر جدولا لكل نوع من الأنواع الخمسة حتى نملأه بخصوصيات كل نوع. ما أكمل جملته حتى أتى من ينادي للتحكيم. أردت مسك عبائته كي لا يرحل ويتركني دوم معلومةٍ ولو صغيرة. خرجت خلف الخارجين ، فرأيت الإبل الداكنة وابكبيرة تمشي للعرض، عرفت انها المجاهيم
إبل الجزيرة السوداء
مشى أمام لجنة التحكيم ما يقارب الخمسة عشر ناقة من المجاهيم، يتقدمهم ويقود مشيهم رجلٌ على ناقة بيضاء تسمى (الرحول). كان راكب الناقة البيضاء يحث النوق المجهمة على اتباعه بصيحات، ويقوٍّم مشيها رجلان يمشيان خلفهم من الجانبين. كان الرجلان كل منهما يسمك بعصا دقيقة ولا يضرب بها ضرب حنانٍ وتوجيه. وقفت بعيداً عن المحَكٍّمين الأربعة حتى أرى المشهد من بعيد. كان منظر الإبل السوداء أو القريبة من لون القهوة التركية تحت أشعة الشمس المخترقة للغيوم آسر للنفس.هطول المطر قبل العرض جعل رمال الساحة وكأنه لم تمسَسها قدم. أرى على الرمال آثار أخفاق النياق. شد انتباهي أن النوق قد هُذٍّب وَبَرَ جسدها، خصوصاً جهة السنام، و مُشٍّطت وكأنها فتيات تُعرض محاسنهن في عرس. زاد على حسن شكل الوبر أن قد زُيٍّنَ سنام كل ناقة وجانبيها بخيوط ذهبية تسمى (دباديب). لون هذه الزينة الذهبية -والتي لوهلة تظن أنها حُليٌّ من الذهب الخالص- على لون النياق الداكن يجعلها بحق فاتنات. كانت مجاهيم العرض تذهب و تأتي من أمام المحكّمين، وكلما ابتعدت بمن يقودها تسمع من يصرخ “عوٍّد يا راعي الرحول” ، أي عُد يا من تقود المجموعة من على ظهر الرحول. بعد جيئةٍ وذهاب متكررة، أشار المحكٍّمين أن عرض المجموعة قد انتهى. مشيت خلف النوق مأسوراً بلونها و حجمها الكبير و أخفافها العريضة. بقيت انظر فيها ما يقارب نصف الساعة إلى أن ابتدى عرضٌ جديد لنوق مجهمة لمتسابقٍ آخر، فعدت لأشاعد العرض الجديد
بعد العروض عروض
بعد انتهاء عرض المجموعات قال لي أحد المنظمين أن المسابقة التالية هي مسابقة “الفردي” او “الفرديات”. كما هو واضح من اسم المسابقة، يشارك كل مربّي بجمل واحد او ناقةٍ واحدةٍ. يتفرع من هذا الاسم للمسابقة مسابقة خاصة لذكور الإبل و أخرى للإناث. من البديهي أن عناصر الجَمال في الجمال تختلف عن ما هي عليه في الإناث، كما أنه من البديهيّ أن الصفات الجمالية للإبل لابد وأنها تختلف باختلاف الناقة أو البعير. حتى يأخذ هذا بعين الإعتبار، كانت مسابقة الفردي من الجِمال يجمع مختلف الفئات العمرية. السبب في هذا هو أن المشاركين في هذه المسابقة بالذكور من الإبل قليلين. بينما مسابقة فرديات النياق قسِّمت إلى فئتين اثنتين، تسمى الفئة الأولى ب”فرديات دِق” والفئة الثانية “فرديات جِل” النياق. “الجَلُّ” من فرديات النياق باللغة العربية تعني الكبير منها من دون تحديد ، بينما “الدِّقُ” من النوق هو الصغير
الجدران الخضراء
أخذت مسابقات الفردي من الإبل أطراف ساحة العرض مكاناً لها. كان الطرف الأيسر من جهة بوابة الدخول موضع تجمع الفرديات. في هذه الناحية يصطف ما يشبه الغرف المبنية من سياج حديدي سهل التحريك و التشكيل. يتكون السياج أو الشبك من قطع عديدة وكل واحدةٍ منها مصنوع من ثلاث أو أربع قضبان بشكل أفقي، وكل واحدة بعرض مترين. هذه القضبان الأفقية مثبتة بواسطة ثلاثة قضبان عمودية، كلٌ بارتفاع ما يقارب المتر والنصف. كمجموعة، تشكل القضبان العمودية و الأفقية معاً جداراً حديدياً خفيفاً. في كل جدار حديدي من جهة قطع حديدية صغيرة كالمشبك يقابلها من الجهة الأخرى بيوت المشابك. هذا البنيان يسمح بربط أكثر من جدار حديدي لتشكيل غرف العرض وما يزيد هذا البناء جمالاً أن بالإمكان تحريك الجدران إما لجعل الغرف أكبر أو أصغر حجماً واتساعاً، لا تحتاج الجدران للتثبيت إلا غرس أطرافها السفلى في رمل الصحراء الناعم، وارتباط الجدران بعضها ببعض كفيل لضمان ثباتها. مما لفت نظري أخيراً بخصوص هذه الغرف الحديدية هو الطلاء الأخضر الذي طليت به. كان منظر الإبل السوداء الداكنة والذي يقاطعها القضبان الخضراء جميلاً آسراُ
العرس و العروس
بدأ وفود فرديات إبل المجاهيم واحدةً تلو الأخرى، كان نظام المسابقة يستلزم التسجيل عند بوابة الدخول و وضع رقم على بدن الناقة وفحص سلامة استكمالها لشروط المسابقة. تحضر كل فردية من النوق من مراحها إلى مكان المسابقة بصحبة الرحول المقادة من راكب ماهر. كأن صحبة الرحول للفردية المشاركة حتى لا تكون وحيدة في طريقها للعرض. تحف الفردية وصاحبتها الرحول مشياً على الأقدام وفي سيارات الدفع الرباعي ملاك الناقة و المعجبين بها. ترى من بعيد المسيرة المصاحبة لناقة المزاين في مسير بطيء كأن الماشين لا يرغبون بالوصول الى وجهتهم إلا فرحين ومسرورين بأجواء المناسبة. تملأ الأهازيج أسماع الحاضرين حتى وإن أبوا السماع ،ذلك أن الأهازيجتنبعث من مكبرات للصوت تستأجر خصيصاً لهذا الغرض. لمّا اقتربت مسيرة الفردية الإولى من مرآي عيني، رأيت فتياناً يمشون أمام الناقة ويتمايلون رقصاَ لدخول ناقتهم الجميلة في المسابقة. لا أبالغ لو وصفت المشهد بالعرس. لم يختلف ما صاحب قدوم ناقة المزاين للعرض عن حضورأي عروس إلى حفل عرسها إلا أن حفل العرس هنا في الصحراء و أن العروس ناقة
كلُّ ما أرى جميل
بعد مشاهدة دخول أكثر من فردية مشاركة لساحة العرض ووضعها في الغرف المخصصة حسب الحجم واحدةً للفرديات الجل و أخرى للدٍّق، مشيت إلى حيث تنتظر النياق بدأ التقييم. كنت أرغب بالإنفراد برؤية الفرديات. وقفت على الحاجز ورأيت كل واحدةٍ منهم تمشي ذهاباً و إياباً، كمن تعرض جمالها للناظرين. أتاني من قال أن اسمه محمد والناقة المشاركة هي له. أظن أن عمره لا يتجاوز العشر سنين. كلمني بكل احترام ورجولة وسألني عن سبب طول نظري لناقته و الأخريات، وعن ما أسجل في دفتر ملاحظاتي. أجبت بأني أحب أن أدرس الإبل و أفهم صفاتهم. سألني عن تقييمي للفرديات في غرفة العرض. أجبت أني أرى جميعهن جميل. ابتسم وقال أنت لا تعرف الإبل ولهذا تراهن جميعهن حسناوات. لم تزعجني كلماته إنما دفعتني أن أخطط لتعلم شؤون الإبل و أوصاف جمالها كما يراها أهلها وملاكها ومربيها. دفعني محمج بكلماته أن أترك المكان لا مللاً من الفعاليات إنما لتحضير كراستي بأسئلة وتبويبات لكل نوع من إبل المزاين وصفات جمالها. مشيت إلى حيث يقف من أرجو أن يكون معلمي لعالم الإبل و شؤونه. “ابو فواز” استقبلني بوجه بشوش وبادرني بأن حضًّر جدولاَ لكل نوع وسوف نملأ الجدول معاً بصفات كل نوع في اليوم التالي. شكرته على مبادرته وطلبت منه أن لا ينساني إلى قدومي في الغد إن أطال الله في أعمارنا عُمُرٌ
الفوز بأبي فواز
عدت إلى ساحة العرض في صباح اليوم التالي باكراً. استقبلني حارس الباب بابتسامة وفتح الباب. زادت ابتسامته شروقاً عندما شكرته باسمه. كنت قد حرصت في اليوم السابق أن أدّون اسماء و كُنى كل من أرى حتى يسهل علي التذكر وحتى تتوطد علاقتي بالجميع سريعاً. ابتسامة ابو أحمد المشرقة كانت علامة لتوفيقي بما حرصت عليه. مشيت إلى خيمة المحكمين و المنظمين في وسط ساحة العرض. كان الجميع جالساً وما أن دخلت حتى قام الجميع و سلَّمت عليهم واحداً واحداً وذكرت الاسم والكنية. لاحظ أحدهم جهدي لذكر الاسماء وابتسم. بعد شرب فنجان قهوة معدّة حديثاً و دونما ابطاء، ذهبت إلى حيث يجلس ابو فواز و أريتته كراستي الجديدة والمعدّة لاستقبال المعلومات منه. أبدى رضىً و بدأ بتغذيتي بأولى المعلومات. كانت تغذيتي بالمعلومات متقطعة كون الحديث لأبو فواز لابد من صيده كالطرائد. كنت كلما ذهب ابو فواز للراحة بعد تقييم للإبل كمجموعة أو فردية أتبعه واسأل و أدوّن، بقيت على هذه الحالة خلال جميع أيام المسابقة، وعندما ينشغل عني ابو فواز بشؤون التحكيم، اتجول على الغبل لمعاينتها عن قرب و للتحدث لأصحابها. رؤية أصحاب الإبل من المشاركين والمشاهظين على مدى أيام المسابقة، شجعهم على التحدث معي. كلّما سمع أحدهم أني أدرس الإبل حتى تتطاير علامات الفرحة من عينيه ويعطني ما يستطيع من المعلومات وما يعرفه من شؤون الإبل، ويختم الحديث بدعوة لزيارة مراح إبله بعد انتهاء المسابقات والفعاليات. كان فوزي وقتها مضاعفاً، فقد فزت بمعلومات دقيقة من مرجع كأبي فواز ، كما فزت بمعلومات و بمعرفة مربين الإبل في دولة الكويت. بعد أيام المسابقة القليلة تكون عندي قائمة من مربين الإبل بأرقام التواصل معهم ونوع ابلهم. حتى لا أسهب في المشاهدات الشخصية فيتحول الكتاب من رحلة حول الجمل الى رحلة حول حسن، فيما يلي سيكون استخلاصاً لما تعلمته ودونته من أبي فواز محسن بن فواز الشيباني خصوصاً و عموم المربين الذين قابلتهم قبلها وبعدها
واحدة السنام عديدة القوام
رؤية الاختلافات فيما ترى أعيننا مهارة نتقنها حميعاً ولكن بتفاوت، هذا التفاوت في ملاحظة الاختلافات يعتمد اساساً على معدل رؤيتنا للأشياء أولاً ومدى اهتمامنا بما نرى ثانياً. إن العين الناظرة عبوراً على الجمل لا ترى إلا أن جميعهم ذو سنامٍ واحد، خصوصاً في بيئتنا ومجتمعنا. والعابر عليها لا يرى لوناً غير المصفر المحاكي للبيئة المحيطة، غير أن الناظر بدقة والعاشق المتردد على رؤية الجمل يرى بينها اختلافات كثيرة تجعل السنام الواحد الذي تشترك به كنوع آخر ما يرى. يضع العرب في شبه الجزيرة العربية إبلهم في مجموعتين اثنتين. هذا التقسم يعتمد على بلد المنشأ للإبل ومكان تواجدها من جهة، ومن جهة أخرى الغرض من تربيتها واستنسالها. النوع الأول هو إبل بطن الجزيرة وقلبها، وتعرف الآن بين أهلها بإبل المزاين و إن كان لها مسميات أخرى سنتحدث عنها و نتناولها حتى الشبع لاحقاً. المجموعة الأخرى يطلق عليها ” الإبل العمانية” نسبة إلى مواطن تربيتها و خاصرة الجزيرة اليمنى ” سلطنة عُمان”. إبل العرب “مزاين” في مواطنها كانت مصدر عيشهم و رفيق معاناتهم مع الصحراء. تتميز هذه الإبل بعظمة الجسم، حيث إن البنيان الجسدي كبير بالمقارنة مع الإبل العمانية. هذا التكوين الضخم و إن كان معيقاً للحركة السريعة إلّا أن لها قدرة على تحمل نقص الماء و شدة حرارة الجو. هذا النوع من “الجمالات” كان ولابد هو الملازم للعرب و مصدر رئيسي لغذائهم، وبطئ تنقلهم يتماشى مع حركة القبائل البطيئة نفسها، كون حركة الخيام ومستلزمات الحياة والأطفال و النساء لا شك لأنها أكثر بطئاً من سفر القوافل العابرة شمالاً وجنوباً. تعرف إبل العرب “المزاين” بوفرة الحليب و حجم الجسم يعكس وفرة اللحم و الشحم المغذي إذا ما استدعت الحاجة.لإبل المزاين مصطلحات أخرى تعرف بها الآن كـ “ابل العرب” و ” المجاهيم و المغاتير” وغيرها. الإبل العمانية يمكن اعتبارها كنقيض لإبل المزاين شكلاً، فهي أصغر بنياناً و أكثرُ خفةً واسرع مشياً وترحالاً. لا غرابة أن للإبل العمانية فوائد غذائية لمربيها و متملكيها من ناحية توفير الحليب واللحوم، غير أن اهميتها تعظم في التنقل البعيد والسريع. تعرف الإبل العمانية بالقدرة على تحمل السير لمسافات طويلة مما جعلها وسيلة تنقل العرب شمالاً وجنوباً عبر صحاري الجزيرة العربية. كما أن خفتها و سهولة ترويضها جعل منها مركب الجيوش و طلّاب الحركة السريعة. في وقتنا الذي نعيشه الآن، تقلصّ استخدام هذه الإبل في التنقل السريع، ولكن استعيض بها برياضات سباقات الهجن كدافع لتربيتها و الحفاظ على نوعها و خصائصها. الهجن هو اسم أخر يطلق على الإبل العمانية، كما يطلق عليها أيضا اسم “الجيش” و ” الإبل الحرة” وغيرها مما سنذكره فيما سيأتي
إبل العرب والطرب
فيما يلي تعمق في إبل المزاين في تنويعاتها ودقيق صفاتها و مسمياتها. بدأت رحلتي حول مزاين الإبل راكباً قلمي ثم راحلت تاركاً آثار الرحلة حروفاً على صحراء أوراقي. تقسم إبل المزاين اولاً الى مجموعتين اثنتين، وهذا التقسيم مبني على الصفات الظاهرية. اولاً على اللون، حيث الإبل السوداء أو الداكنة تسمى بـ ” المجاهيم”، يقابلها مجموعة اخرى وهي بقية الألوان من غير الداكن وتسمى بالعموم بـ” المغاتير”. إضافة إلى اللون كذلالة اختلاف بين المجاهيم و المغاتير، فإن في البنيان الجسماني ما يجعلهم مختلفين. أول هذه الإختلافات للعين الفاحصة هي الحجم، فالمجاهيم أطول من المغاتير بكل جزء من أجزاء الجسد ان قسته على حدا، و أعظم حجماً بشكل عام. لا تخطئ العين الفرق الواضح بحجم العظام الحاملة للجسد الكبير للمجاهيم. إضافةً إلى ضلك، فإن أذن المجاهيم تمتاز بطولها و انتصابها مقابل قصرها و ميلانها في المغاتير. يصف أهل الإبل أذن الإبل المجهمة بـ”الحِداد” او “الحِراب”، بينما يطلقون على نظيرتها بالمغتر من الإبل بـ”الخرع” او ” الفرع”. أيضا مما يلاحظ من الفروقات بين الإبل المجهمة والملونة هو تركيب الذنب أو الذيل، حيث تمتاز إبل المجاهيم بذيل طويل و أقل سماكة مما هو عليه في إبل المغاتير حيث يكون ذيلها أقصر وأكثر عرضاً خصوصاً عند منبت اتصاله بالظهر
التقاسم في المجاهيم
إن من الفطرة والبديهة أنّ متى ما اهتم الإنسان بشيء بدأ بترتيبه وجعل كل متشابه منه في مجموعات. هذا يكون خصوصاً عندما يكون المهتم به كائن حيّ كالحيوان والنبات. هذا الترتيب هو الخطوة الأولى في انتخاب صفات محددة و الإكثار منها باستنسال المتشابهين بالصفات مع بعضهم البعض. هذه البديهية هي علم قائم بذاته ، غير أن مربين الحيوانات و الإبل منها ما يفعلونه هي عادة متوارثة. يقسم أصحاب الإبل مجاهيم إبلهم إلى ثلاثة أقسام تعتمد أساساً على اللون و مقدار السواد به، أول مجموعة تسمى بـ”السوداء الإحسينية” و تعني السوداء الحسناء، هذا المصطلح او المسمى قاله لي ابو فواز ، غير ان هنالك من يسميها ب”الغرابية” نسبة للون الغراب. من الاسم يُعرف وصف هذا الفريق من الإبل بالمجاهيم، فهي سوداء اللون من دون حمرة أو بياض أو بقايا من اللون البني الداكن. المجموعة الأخرى تقل عن الأولى دكونةً، وهي أغلب الإبل المجاهيم و أكثرها شيوعا، واللون الذي يستدل به عليها. تسمى هذه المجموعة بـ”السوداء” كما أخبرني ابو فواز. لونها داكن دون السواد، وأقرب إلى لون القهوة المحمصة تحميصاً طويلاً، لونها بعين أمثالي يقارب لون القهوة التركية قب إعدادها أو بعده. النوع الثالث من المجاهيم هي النياق الصهباء وهي كما يعني اسمها من يخالط داكن وبرها اللون الأبيض. على هذه الثلاث مجموعات تقّسم الابل المجاهيم ، بينما نظيرتها المغاتير أكثر تنوعاً بالالوان، ويستلزم لكل نوع تقسيم و تبويب
ملاوين ملؤ اليدين
كل ما هو من غير المجاهيم من ابل العرب يطلق عليه عموماً بـ”المغتر” او “المغاتير”، وهي مجموعة كبيرة من الألوان المختلفة، حتى ان بعض المربين يسمونها بـ ” الملاوين” اي متعددة الألوان. تحت هذا المسمى الجامع تقسّم ابل المغاتير الى خمسة ألوان رئيسية، وهي من الداكن الى الفاتح كما يلي ” الصفر، الشعل، الحمر، الشقح، والوضح”. ينحدر تحت كل واحد من هذه الألوان مجموعات اصغر ، وكل منها يحوي توصيفاً دقيقاً للّون ودرجته. لأن عدد الألوان و مجموعاتها في إبل المغاتير هي ملئ أيادينا، فمن الأنسب تناول كل لون وتفريعاته على حدى حتى يسهل الفهم ولا يطول الشرح
الصفر كحل النظر
لا غرابة لو ادعيت أن ابل المغاتير الصفر و الشعل أحياناً تمثّل اللون و المجموعة للون الابل بشكله العام، خصوصاً في أذهان غير المتخصصين و المهتمين. صور الإبل المتداولة في حياتنا هي ما يميل إلى اللون البنيّ المصفر. تعتبر الابل الصفر أدكن ألوان المغاتير و أقربها داكنةً إلى المجاهيم، غير أن لون وبرها متشرب بالصفرة. إذا ما أخذنا وصف العرب للألوان باستخدام درجات القهوة، فإن لون الابل الصفر مرحلة متقدمة من تحميص القهوة إنما دون الاحتراق. خلال حديثي الى ابي فواز، لاحظت وصفه للألوان و درجاتها عادةً ما يقرن بالقهوة او الشاي او الحليب، و كأن الانسان والإبل والقهوة أعمدة البنيان الثقافي لتاريخ العرب في الجزيرة، ومنبع شعرهم و شعورهم. حديث القهوة و العرب لا ينتهي وموضوع البحث هو الابل الصفر. يتفرع من لون الإبل الصفر ثلاثة ألوان، أولها وأكثرها سُمرةً تسمى “الدلهاء”، يغطي أجساد النوق الدلهاء وبر أصفر مسوّد بدرجة واحدة على جميع أجزائه. المجموعة الثانية هي “الدبساء” ولونها مشتق من لون عسل التمر المسمى “الدبس”، تكون النياق الصفراء الدبساء بلون أصفر مسوّد وأطراف سوداء داكنة، خصوصاً الأطراف كأسفل اليدين والرجلين وأعلى الأذنين و أقصى ذروة السنام. منظر الناقة الدبساء و كأن قد صبّ عليها العسل التمري الأسود، وتبقى منه ما تبقّى على أطرافها. ثالث أنواع الإبل الصفر هو “الأشهب” ،وتعرف الإبل بالشهباء ، وهي أقل ألوان الصفر دكونةً ويخالط لون الوبر شيء من البياض على جميع أجزاء جسم الناقة أو الجمل. لم أر الصفر الشهباء، إنما هذا الفرع و هذه المجموعة ووصفها هي مما علّمني إياه أبو فواز
الشِعِلْ مشاعل الحسن
ثاني مجموعة في إبل المغاتير و ذات اللون الشائع هي الشعل. أكثر ما يميز الإبل الشعل هو انعدام الدكونة أو السواد في وبرها مما يجعل جميع أجزاء الجسد بدرجة واحدة متجانسة من اللون البني، كما استخدمنا القهوة لتوصيف بعض ألوان وبر المجاهيم والصفر، أظن أنه من الممكن توصيف لون الوبر في مختلف فروع الشعل باستخدام مشروب بالحليب. أول مجموعات الشعل و ألوانه هي الدعماء، وتكون الابل فيه ذات لون يشابه لون الشاهي الذي يخالطه مجرد قطرات من الحليب، حيث يغلب اللون البني الخالص من غير دكونة وسواد. إذا ما زادت نسبة الحليب المضافة للشاي ووصلت الى النصف بالنصف، فإن اللون يسمي نوقه ب”الحبشاء”، وكما سبق وبيّنا فإن اللون يغطى كل الجسد بدرجة لون واحدة. ثالث المجموعات والألوان في الإبل الشعل هي الشعل ال”بياضية”، وكما يستلهم من الاسم فإن الشعل البياضية يغلب البياض على اللون البني وكأنه شراب الشاي بالحليب ونسبة الحليبة به تزيد على نسبة الشاي
الشعل المغلاطية ومغلاطية الصفر
نظراً إلى التقارب الواضح في فئة الألوان بين الشعل و الصفر، ولأن المزاوجة بين المجموعتين وارد الحدوث، ويصل في أوقات إلى حد الشيوع، فإن مربين الإبل قد وضعوا مجموعة بين الشعل والصفر للنوق التي تبدو من الشعل بين الابل الصفر، وتُرى ذاتها من الإبل الصفر إذا ما كانت وسط عدد من الإبل الشعل. الحل في نظر مربين الابل هو بتسميتها ب”المغلاطية”، والتي تعني أن المرء يخطئ في تصنيفها، فتذكر الناقة حمّالة أوجه وألوان تارةً بالصفرة المغلاطية وتارة أخرى بالشعلة المغلاطية
الحمر بهجة العمر
إبل المغاتير الحمر هي مفرق الألوان بين مجموعات المغاتير، حيث ما يزيد دكونة و اقترابا من اللون البني يدخل في الشعل والصفر، وما زاد عنها بياضاً يكون في الشقح و الوضح. لون الابل الحمر لون قائم ومجموعة منفردة عن الأخريات من المغاتير، ووصفها يبتعد عن لون القهوة والشاي. عندما رأيت الابل الحمر تراءت بعيني لون رئة الشاة، بتدرجات مختلفة، سأستخدم هذا الوصف واللون لتقريب صورة الابل الحمر لذهن القارئ. توضع الإبل الحمر في ثلاث مجموعات: أولها هي الحمر الدهماء ووبرها بلون الرئة ولكن بدكونة أي يخالطها وبر أسود، ترى الشعرات السوداء موزعة على أجزاء من الجسد كجزرٍ في بحرٍ من الوبر المحمر. ثاني المجموعات هو أسهلها اكتشافاً، ولونها علمُ الحمر ، ويكون لون الوبر بلون الرئة خالصاً، ويغطي كلَ الجسد بدرجة لون واحدة، الناقة في هذه المجموعة تسمى ب”المجوِّخ”. ثالث المجموعات في الحمر هي أكثرها شاعرية بتقديري وصفاً و اسماً. تسمى الابل بهذه المجموعة ب”الشفقاء”، ولونها هو كمل يستدل من اسمها بلون الشفق وقت غروب الشمس. بعيداً عن شاعرية الاسم فإن الوصف يقارب الواقع حد التطابق. في الإبل الحمر الشفقاء كما السماء وقت الغروب، تمتزج الحمرة بالبياض المصفر على نحوٍ تكون الحمرة أعلى السماء و البياض أسفلها ، حيث تختفي الشمس في الأفق ، فإن الناقة الشفقاء تعلو أجزاء جسدها العلوة من رأس ورقبة وسنام وبدن حمرته واضحة، بينما اليدّان و الرجلان وأسفل البدن فإنهم قريبون للون الأبيض المصفر
الشقح سكّر القمح
لعل المدخل الأنسب لوصف الإبل المغاتير الشقح هو استعراض معاني الاسم من المعاجم اللغوية. الأشقح في اللغة يعني الأشقر، ويوصف تلوّن التمر بالشقح أحياناً، ومن معاني الكلمة أيضاً القبح. هذا السرد اللغوي ربما يكون الباب لفهم هذا الفريق من إبل المغاتير. الشقح من الإبل بالإضافة الى الوضح – كما سيأتي- يمثلا مجموعتا اللون الفاتح المبيَّض من المغاتير وعلى النقيض من الشعل والصفر. لون النوق الشقح عموماً يقتؤب من لون الحليب الدسم إنما يتخلل اللون الأشقر المبيض وبرٌ داكن والذي يتوزع على أجزاء متفرقة من الجسد. هذا التوزيع للّون الداكن يظهر على أجزاء من بدن الناقة أو الجمل دون اتساق عام أو مكان محدد ويختلف توزيعه من ناقة لأخرى أو من جمل لأخرز رأيت هذا اللون الداكن على جانبي أكتاف النوق الشقح يو زيارتي لمزاين الإبل. ييذكرني لون المغاتير الشقح بطبقٍ تصنعه جدتي بمهارة يسمى ” الهريس”، طعام الهريس لمن لم يذقه من يد جدتي أو لم يأكله في الكويت هو مكوّن من حبوب القمح التي بعد غسلها بالماء جيداً ونقعها بالماء لساعات ، تطهى مع اللحم أو الدجاج إلى أن تنضج حبوب القمح و يتفتت اللحم من مدة التعرض للنار، بعد نضج حبوب القمح واللحم يهرس الخليط في قِدْر باستخدام ملعقة خشبية كبيرة مستوية الجانبين تسمى “المضرابة” أي ما يضرب به الهريس أو القمح حتى يغدو مثل عجينةلا هي سائلة ولا صلبة قاسية بل ما بينَ بيْن. رأيت ضرب جدتي للهريس باستخدام “المضرابة” حيث تضع الملعقة الخشبية العملاقة وسط القِدْر الحار وبقوة يهرس حبوب القمح ويجعلها تفقد شكلها وتغدو مع التكرار عجينة، بعد ضرب الهريس ضرباً مبرحاً، تتأكد جدتي من جهوزية الطبق اللذيذ وتسكبه من العجينة في صحون، تتأكد بعد السكب من استواء السطح وتصنع في وسط عجينة الهريس هزةً صغيرةً تملؤها بالسمن، ربما سَهَيت بوصف طبق الهريس، غير أني أظنكم تعذرونني كوني أحب جدتي وأحب هريسها. الوبر المبيض للشقح يقترب بياضه من بياض حبوب القمح في الهريس ولكن ماذا عن الأجزاء الداكنة؟، بعد أن تضع جدتي السمن في الحفرة، تضع خليطاً من الدارسين (القِرفة) المطحون والسكر الناعم وترشه على سطح الهريس، تتساقط هذه البرادة اللذيذة الطعم والرائحة على سطح الهريس، وفور التقائها بالرطوبة يظهر لون ذرات القرفة للعين داكناً فوق البياض ومبعثراً على السطح دونما اتساق. تقسم الابل الشقح الى مجموعتين أولها هي الشقح الخالصة وهي التي كما بيَّنتُ سابقاً بلون وبر قمحي البياض ويكثر به اللون البني المشابه للقرفة. المجموعة الثانية هي الشقح البيَّاضة و التي كما يستشف من اسمها يزيد بياض وبرها على ما يخالطه من دكونة وسواد. عوداً الى ما بدأت به وصف الابل الشقح والمعنى اللغوي للاسم فلا أجزم إن كانت تسمية الابل الشقح بالشقح لشقرة وتلوّن وبرها أو لأن وبرها يقل صفاءً وبياضاً عن المغاتير الوضح فوصفت بالقبح. أياً يكم منشأ الاسم وسببه فعيني التي رأت الابل الشقح لم تر الا جمالاً و جمال قح
الوضح مطلع الصبح
معروف أن للّون الأبيض جمال خاص في كثير من الكائنات، وربما حتى الأشياء من الجمادات، ومعروف أيضاً أن اللون الأبيض يُظهر ما هو غيره بسهولة و دون عناء، فالضد يُظهر الضد، اللون الأبيض هو ضد جميع الألوان. هذه المقدمة ضرورية لفهم التنوع الكبير والأسماء المتعددة لمجموعات الابل الوضح، بشكل عام ابل المغاتير الوضح تتميز بلون الوبر الأبيض وهذا البياض قريب من لون الحليب الدسم المصْفَر شيئاً ما، رغم جمالها الواضح فإن تصنيفات الابل الوضح هي من أصعبها حصراً وتجميعاً، و أسماء مجموعاتها كثيرة بسبب كثرة مربيها وتسمياتهم الشخصية و القبلية و المنطاقية. بدا لي صعوبة هذه المجموعة من إبل المغاتير عندما بدأ ابو فواز شرحه شرحِه لمجموعاتها فكان كلما ذكر اسماً ووصفاً لمجموعة ألحقها باسمٍ و وصفٍ آخرين، وبين المجموعة والمجموعة يتذكر مجموعة ومجموعة. لنبدأ باول مجموعة والتي يمكن اعتبارها المجموعة البيضاء الناصعة والتي لا يشوب بياض وبرها اي لون، يطلق على هذه المجموعة من الوضح “الرخماء” او “البرصاء”، من هذه المجموعة تتفرع مجموعة نادرة تسمى ب”الوضح البلقاء” والتي إضافة إلى بياض وبرها الناصع تكون أجفانها أيضاً بيضاء، بقية المجموعات هي الأنواع التي تتلون بها صفحة الوضح البيضاء بالوان مختلفة دون زيادة على البياض، فعلى سبيل المثال هب أن فرشاة القدر (الجينات) رشت على وبر الوضح الأبيض بعض اللون الوردي الفاتح فتغدو الناقة بيضاء مزهرة كفتاة إحمر خداها خجلاً لذكر جمالها، هذه الوضح المشربة حمرةً يطلق عليها “دغماء” أو “عطرة” او “بشة”. لو أن صفحة بدن الناقة الوضح البيضاء تخلله بعض الصُفرة الذهبية فيطلق عليها “الوضح الشقراء”. أكثر مجموعات الوضح تنوعاً بالأسماء هي الوضح التي فيها شيء من السواد لاسيما في العين والفم. أظن ان كثرة التسميات في هذا الفريق من الوضح هو بروز الملامح خصوصاً ملامح الوجه من العين والفم وغيرها. كما ان وجود سواد حول العين يجعل الناقة و كأنما قد كُحِّلت بكحل النساء ومستحضرات زينتها ، وهذه العين المكحلة في الناقة والنساء مصب شعر الشعراء واهتمام خيالهم، تسمى هذه المجموعة من الإبل الوضح ب “المكحلة” او “دعجاء/ أدعجة” او “عفراء/عفرة”
إبل الذهب
في زيارة لي إلى أحد مربي إبل السباقات المسماه ب”العمانية” او “الهجن”، ذكر لي أنه تاريخياً المجاهيم من الابل التي يطلق عليها “ابل العرب” حيث ان اقتنائها كان سبباً لبقاء الانسان العربي على قيد الحياة لوفرة حليبها وظم جسمها وكثرة لحمها، كما يطلق على المغاتير عموماً ب”إبل الطرب” لانه في تنوع الوانها وحسن طباعها طربٌ لنفس مالكيها، أما الابل التي يستخدمها العرب في الترحال والحروب والغزوات والتي تعتبر مصدر الرزق المادي فهي الابل العمانية ويطلع عليها ب”ابل الذهب”، كون امتلاكها كفيل بتوفير الحماية والتنقل السريع، كما ذكرت سابقاً فإن موطن هذه الإبل هو خاصرة الجزيرة العربية “سلطنة عمان”، فتسمى نسبة لموطنها بالعمانية، غير أن لها أسماء أخرى تعرف بها وهي “الجيش ، الحرائر او الحرة، الأصايل، والهجن”. تتحمل الأصايل من الابل الترحال لمسافات بعيدة، وفي بنيان جسدها ما يؤهلها لهذا، فهي أدق جسماً عن مثيلاتها من المجاهيم والمغاتير، كما أنها أقل شحماً و أنحف و أصغر عموماً، ويتضح هذا في حجم السنام. رأس الابل الحرة مختلف أيضاً عن ابل الجزيرة، رأيت الرأس وكأنه مثلث وضعت قاعدته على الرقبة القصيرة نسبياً، في هذا الرأس أُذنان منتصبتان وعينان وضْحتا الجمال وانف فتحاته كبيرة، فمُها يحكمه شفتان غير متدليتان على النقيض مما هي عليه ابل المزاينز في اتصال الرأس بالرقبة حدٌ واضح والذي يختلف عن ما هي عليه ابل الزاين حيث تختفي نقطة إلتقاء الرأس بالرقبة فيغدو الرأس و كأنه امتداد للرقبة، ليدان والرجلان في الابل العمانية دقيقة ونحيفة وتقترب لما نراه في أرجل الخير والغزلان السريعة، الخف ايضاً أصغر حجماً من أخفاف ابل المغاتير والمجاهيم. اذا ما {ايت الابل الحرة الاصلية بمقابل ابل المزاين ادركت سريعاً انها استنسلت للجري والترحال السريع، يسمي أصحاب الابل العمانية الأنثى ب”الذلول” بينما يسموا الذكر ب”الزمول”
تهجين الهجن
يقول لي صديقي مالك الابل العمانية أن التطور الذي شهده العالم صناعياً والتطور الذي لحقنا في الجزيرة العربية خصوصاً في ما يتعلق بالتنقل ووسائله قلل من الاهتمام بالابل السريعة اقتناءً ةتدريباً واستنسالاً، هذا بالنتيجة أدى إلى تغييرات في أصايل الابل خصوصاً في ما يتعلق بالسرعة في الجري ، وذلك لانعدام عمليات التزاوج المدروسة والتكاثر المنتخب بين اسرع الإبل. قلة الاهتمام في هذه الابل التي يوماً ما كانت شوكة العرب ومركب انتصاراتهم، قد تراجعت بعد أن شجع الامراء والشيوخ في انحاء دول الجزيرة على المحافظة وابقاء هذا النوع الفريد من الابل باقياً بيننا، كانت التشجيع على هيئة مسابقات للجري يطلق عليها بسباقات “الهجن” ، والتي يرصد لها جوائز مجزية، هذا التحفيز على مستوى الدول حرّك مياه الاهتمام بالهجن الراكدة في بعض مناطق الجزيرة و دفع بالكثير من العاشقين للسرعة والابل باقتناء وتربية الابل العمانية وتأهيلها للفوز بالمسابقات. هناك طريقان لأخد مجموعة من الابل وجعل من نسلها ابل الفوز: أولها وأصعبها و اطولها وقتا هي الاستنسال بالانتخاب بين افراد النوع الواحد والذي هو هنا الابل العمانية، ببساطة هذا الطريق يسلك بضرب البعير السريع بالناقة السريعة، والذي ينتج انتاجاً سريعاً، اذا ما تكرر هذا على مدى اكثر من جيل، لفإن الأجيال الجديدة لا بد وأن تكون أسرع من أجدادها. الطريق الثاني هو استحضار السرعة من خارج الابل العمانية، جمهورية السودان والتي هي موطن لأنواع من الابل ، واهل السودان مِن مَن يعرف عنهم الخبرة في تربية الإبل واستخدامها ، ويزيدون على أصحاب الابل في الجزيرة أنهم لم ينقطعوا عن استخدام الابل واكثارها، في السودان نوعان من ابل السرعة والسباق وهما “العنَّافي” و “البشاري”، وهذان النوعان يفوقان الابل العمانية سرعةً أحياناً، وبها اختلاف جسماني عن الابل العمانية واختلاف في لون الوبر. التزاوج بين نوعين مختلفين يسمى “تهجين”، تزاوج ناقة عمانية ببعير عنّافي او بشاري (أو العكس) ينتج عنه هجين فائق السرعة يفوق ابويه سرعةً، هذه الطيقة في انتاج ابل سريعة أقصر مدةً من عملية الانتخاب المدروس بين الابل العمانية وحدها. من جهة كان ادخال الابل السودانية الى عالم سباقات الهجن مفيداً لانتعاش السباقات وانتاج ابل سريعة، ولكن من جهة أخرى، التهجين قد يمحو خصوصية الابل العمانية، تنبه لهذا منظمي السباقات والمهتمين بالهجن، وكان الحل عبقرياً في نظري، الحل هو استحداث أربع أنواع من مسابقات السرعة: اول المسابقات هي مسابقة “المحليات” وتكون بين الابل العمانية الأصيلة، وثاني المسابقات هي بين المهجنات، وثالثها بين الابل السودانيات، أما الرابع فهي الاشواط المفتوحة، ويشارك بها الجميع، هذا الحل العبقري يضمن الاهتمام بكل نوع ٍ على حده واهتمام ايضاً بالتهجين والمهجنات. لعله في ختام الحديث عن ابل السرعة لا بد من الاشارة أن السباقات تكون منفردة للذكور من جهة وللإناث من جهة اخرى، وللفئات العمرية سباقات منفردة أيضاً، حتى لا يكون للعمر او الجنس أفضلية
عُقَد الأعمار وفكها
مثّلت مسميات أعمار الإبل عقدة شخصية لي، وعائقاً عن التواصل المثمر مع مربين الإبل وفهم شؤونهم فهماً واسعاً، ربما يتذكر القارئ في الصفحات السابقة الحادثة الطريفة مع محكمين مزاين الإبل والتي كانت مثار ضحك بعضهم وابتسام البعض الآخر، كان ضحكهم وابتسامهم كوني خلطت ما بين مسميات عمرين بحسن نية ولقلة الاطلاع، صمَّمت على حل عقد الأعمار وفكها عن حبال التواصل بيني وبين أهل الإبل، كان الحل على أيدي اثنين ممن علمني أحوال الإبل وهما أبو خالد وأبو فواز. نشأنا جميعاً على استخدام السنة الشمسية أو القمرية لتحديد أعمار الأشياء وتكون التسمية للعمر سنة وسنتين وثلاث سنين وهكذا، هذا النظام الشائع في تحديد الأعمار و تسميتها غير مستخدم بين مربين الإبل، إذ لا تجد بينهم من يقول أن له ناقة عمرها سنتان، إن عدد الأيام و السنين غير ذا أهمية عند مربين الإبل إذا لم تقرن هذه الأيام والسنين بما يطرأ على الجمل أو الناقة من تغييرات جسمانية أو سلوكية. لشرح ما فهمته من تسمية الأعمار من بداية ولادة الإبل ذكره وانثاه الى المراحل المتقدمة من الشيخوخة وما يطلق عليها، سأشير متى ما تطلب الأمر ودعت الحاجة الى الاختلافات في التسمية بين الذكر والأنثى. تلد الناقة جنينها في الأغلب واقفة، فيسقط الوليد الى الأرض طريحا، يسمى وليد الناقة الطريح “طراح”، وعادة ما ينسب إلى الناقة الأم أو البعير الأب، فيقال طراح “اسم الناقة” أو طراح “اسم البعير” ، او لعل البعض ينسبه إلى المربي فيقال مثلا “طراح الحداد”، قرأت فيما قرأت أن البعض يشير إلى زمن الولادة فيقال هذا من “طرح الصيف” أو هذه من “طراح الشتاء”، أظن أن اطلاق مسمى “طراح” محدود زمنياً ولا يتجاوز الأيام الأولى للولادة عموماً. منذ وقت الولادة إلى إتمام السنة الأولى يستخدم المربين مسمى “حوار” أو “حوارة”، لذكر وانثى الإبل غير أن هناك اسما خاصا خلال السنة الأولى، بعض المربين وخصوصا المهتم منهم في استخدام الحليب والتغذي عليه، يقوم هؤلاء المربين بمنع “الحوار” من الرضاعة عبر وضع مانع في فمه تسمى الأداة “مِخَلْ” ويطلق على الحوار عندها “مخلول”، لا أظن أن لهذا المسمى زمن محدد غير أني لا أتوقع منع الحوار جزئياً أو كلياً عن الرضاعة قبل الشهور الست الأولى، وهذا ما أشار إليه لي أبو فواز. يعد لبن الناقة المصدر الوحيد للغذاء للحوار وربما الواقي المناعي أيضا ضد الأمراض. بعد إتمام الحوار أو الحوارة العام الأول يسمى الذكر “مفرود” والانثى “مفرودة”، وذلك لانفرادهما عن حماية الناقة الأم وغذائها وبلوغهما حدّ الفطام. بعد إتمام العام الثاني والانتهاء من مرحلة المفرود، تدخل الأنثى من الابل مرحلة “الحِقَّة”، لعل القارئ قادراً على تخمين الاسم المرصود للذكر في عامه الثاني وهو “حِقّ”، المسمى غريب بعض الشيء، وغن كان شائع الاستخدام للتعريف بهذه الفئة العمرية خلال السنة الثالثة في دول الجزيرة العربية وبين قبائلها. “لقية” و “لقي” هي مسميات انثى وذكر الابل فور إتمام العام الثالث والدخول في العام الرابع، فهمت من المربين أن أسماء هذه الفئة تعكس مرحلة عمرية تتميز بنضوج الذكر و الانثى للتكاثر وأن سبب التسمية مشتق من اللقاء او التلاقي بين الذكر و الانثى في حال التزاوج. إلى هنا كل الأسماء بدت لي معبرة عن حالة الإبل من النمو و ما يترتب عليه باستثناء الاسم المستخدم للعام الثالث وهو “الحق والحقة”، تساءلت عن سبب هذه التسمية ومغزاها فلم أجد عند أبي فواز أو أبي خالد إجابة مقنعة وافية، فلجأت كما هي عادتي الى معجم اللغة، لعلي أجد للمسمى أصل في اللغة العربية، في المعجم وجدت أن العرب استخدموا اسم “حق و حقة” لوصف مرحلة عمرية للإبل، غير أن ما استخدم في الماضي يختلف عما هو معمول به الان، يطلق “الحق” على الابل التي بلغت الأربع سنوات و من الممكن ركوبها او الحمل عليها، فرحت لوجود معنى مرتبط بالابل و الكلمة، لكن المعنى يضع الاسم مكان ما هو مستخدم للقي و لقية، هذا التضارب و الاختلاف في استخدام “الحق” و”الحقة” لابد و أن له تفسير، في إطار بحثي عن هذا التضارب وجدت أن بعض القبائل العربية تسمي الابل في العام الثالث باللقي و اللقية والسبب في ذلك أن الابل في هذا العمر تتلاقى بالأخ او الأخت حديثة الولادة، تفسير ذلك بسيط ومنطقي وهو كما يلي: تلد الناقة حوارها و ترضعه وترعاه خلال العام الأول، وفي هذه الاثناء لا تحمل الناقة حتى تستمر بإدارة الحليب للحوار، عند الفطام وبعد إتمام السنة الكاملة يصبح الحوار مفروداً عن أمه ولهذا الانفراد والاستقلالية يمكن للأم أن تتزاوج وتحمل مجدداً، فترة الحمل تأخذ قرابة السنة، وعند الولادة يتلاقى الوليد الجديد بالذي كان مفرودا، فيطلق عليه “لقي” و “لقية”، هذا التفسير أسعدني وبدى أشد ما يقارب الواقع خصوصاً أن القبائل نفسها تطلق مسمى “حقة” و “حق” على الابل في العام الرابع، والعلة في ذلك ان الذكر و الانثى في هذا العمر يحق لهم وعليهم “الضراب” أي التزاوج، وهذا ما يتطابق مع المعنى في معجم اللغة. شاركت بعض الأصدقاء من المربين والمهتمين بالابل استنتاجاتي بخصوص تسمية اللقية والحقة، كان أبو سلطان العنزي موافقاً لما توصلت إليه وسعيداً بارتباط الأسماء بمعانيها اللغوية، بينما أبدى أبو محمد العجمي اعتراضا على ما بينت وتأييد لما هو معمول به ومتعارف عليه، بعد أخذ ورد وشد وجذب بين ابي سلطان وابي محمد ادركت ان لا ناقة لي ولا جمل في الجدال حول اللقية والحقة وواجبي هو توثيق ما أعرف و أفهم من أحوال الابل وشؤونها. في بدايات السنة الخامسة يطلق أصحاب الابل على الانثى اسم “جذعة” والذكر “جذع”، فور كتابتي للاسم في دفتر ملاحظاتي بعد تلقين أبو خالد لي، ادركت ان معنى هذا المسمى الغريب على المسامع لا بد و أن له أصل في اللغة، خلال بحث سريع في معجم اللغة الذي امتلكه على هاتفي المحمول وجدت استخدامات عدة و لمخلوقات عدة، كما يختلف المعنى التوصيفي للعمر باختلاف الكائن الموصوف، فالرجل الجذع هو الشاب حديث السن، وللخيل والبقر والضأن استخدامات لكلمة جذع في كل منها عمر خاص، أما الابل فالجذع منها هو ما أتم الأربع سنين ودخل ناضجا السنة الخامسة. الى هنا وخلال السنوات الخمس الأولى رأيت مسميات أعمار الابل متناغمة مع ما يطرأ على الذكر و الأنثى من الابل من عوارض النمو والتغير في تصرفاتها، فبعد ولادته مطروحا على الأرض يستمر وليد الناقة محتارا بما يجب فعله، ومرتبط بأمه للغذاء والحماية، وبعدها ينفرد عنها فيجري بين القطيع مستمتعا ببعض الحرية و الاستقلالية عن الام، دائما ما تسعدني رؤية المفاريد (جمع المفرود) تتراكض و تبدي شقاوة أراها في الأطفال دونما اكتراث لشقاء البالغين او قسوة الحياة، بعدها تلتقي اللقية بأخيها أو اختها الوليدة الجديدة، فيعتريها ما يعتريها -من الغيرة ربما- بينما تستمر بالنمو والمسير حثيثا على طريق النضوج البدني، في السنة الرابعة يحق عليها الركوب او التزاوج، إذ تبلغ الانثى ويبلغ الذكر بدايات مرحلة النضوج للتزاوج والضراب فيمكن لنا أن نصفها بمرحلة المراهقة والفتوة. في السنة الخامسة تغدو الجذعة في ذروة نموها البدني والنضج في التصرفات والطباع، فبعد السنة الخامسة لا نرى اختلافاً ملحوظا في بنيان الذكر او الانثى، ولذلك تعتمد تسمية الاعمار لما يلي من السنين على الاسنان وما يطرأ عليها من تغييرات وتبديلات. بعد إتمام مرحلة منتصف الشباب وحداثته والتي تسمى بها الانثى “جذعة” والذكر “جذع” تسقط وتتبدل الأسنان الامامية المسماة بالثنايا، وهي إحدى الاسنان الأربع في الفك السفلي في فم الإبل. ولهذا يطلق على الانثى “ثنية” والذكر “ثني”، بعد اكتمال الست سنين تستبدل وتظهر الثنايا بالإضافة لما سبق في العان الذي مضى، فتصبح أربعة اسنان في مقدمة الفم فيسمى كل من الذكر والانثى ب”رباع”، مثل ما سبق فعند اكتمال السبع سنين تظهر ثنايا إضافية للأربع السابقات فيكون حاصلهم ستة اسنان في قدمة الفم فيطلق عليها على هذه الفئة والمرحلة العمرية مسمى “سديس” نسبة الى عدد الاسنان كما سبق. بعد إتمام السنة الثامنة ودخول انثى و ذكر الابل في العام التاسع وما يليه ينشق عن الفم ناب قد نراه مرعباً في أوائل سنة ظهور الناب يطلق على كلا الجنسين مسمى “شاق او مصلع” نسبة الى انشقاق الفك السفلي وخروج الناب، بعد ظهور الناب لا تطرأ تغييرات ذات أهمية على الذكر او الانثى فيكتفي مربوا الابل بوصف واحد للعمر غير مكترثين بعدد السنين، فمن السنة التاسعة وحتى تشيخ انثى الابل يطلق عليها مسمى “فاطر” وهذا خاص للأنثى تعبيرا عن ظهور الناب في فمها، أما الذكر فأيضا لا يكترثون بمرور السنين عليه ، فبعد ظهور الناب الى الشيخوخة يسمى بال”هرش”، تساءلت ونفسي عن سبب هذه التسمية، فكان اول تخميني عملا بما تستخدم له الكلمة في بعض الدول العربية وصفا للحك كحك الجلد مثلا، لكن بعد زيارة سريعة للمعجم العربي الذي صار ملاذي لفهم وفك عقد الأعمار وجدت ان معنى “الهرش” في اللغة هو سيء الخلق، فربما سمي الذكر في عمره المتقدم بهذا الاسم توصيفا لمزاجه واخلاقه عموما والذي اظنه يطابق الواقع من مشاهداتي. ما تقدم من مسميات لأعمار الابل وشرحها كان كافيا لي لفك أغلب العقد على حبل تواصلي مع مربين الابل، انما تبقت نقطة مهمة لابد من الإشارة اليها ونقاشها، ان الأسماء والمسميات التي اطلقها العرب قديما على الابل من ذكر وانثى يعكي ارتباط وثيق بينهما مما جعل العربي متى ما استخدم كلمة لوصف بني جلدته اوجد نظيرا لها لوصف راحلته، فمثلا يستخدم العرب كلمة البشر كاسم جامع لكل بني آدم من ذكر وانثى دونما تخصيص، ونظير ذلك كلمة الابل كاسم جامع دون تحديد الجنس، وكما يطلق على انثى البشر ان كانت صغيرة اسم “فتاة” وكبيرة “امرأة” فإن صغيرات الابل دون سن التزاوج “حقة” يطلق عليها “بكره / جمعها بكرات”، وكبيراتها معروفة بالنوق والنياق (جمع ناقة)، ومثيل ذلك للذكر، ففي البشر نجد الفتى والرجل وفي الابل مقابلها “القعود” والعير او الجمل، تناظر عجيب يدعونا للنظر والتأمل
أفلا ينظرون؟
كل من قرأ سطور رحلتي حول الجمل قبل نشرها تساءل عن عدم بدايتي للرحلة بذكر ومناقشة الآية ” أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت” من سورة الغاشية. أبي -حفظه الله – على وجه الخصوص وجه لي لوماً أثر من مرة على عدم بدايتي للكتاب بكلام الله عز وجل. إن تأخيري للحديث والإشارة إلى الآية المباركة لا عن جهالة ولا لغرض التنقيص من القرآن الكريم لا سمح الله أو ترفعا على فوائد الآية وبركات ذكرها، إنما استشعرت من الآية الشريفة أحاسيس مختلفة واستنتجت بعد تدبرها تدبر التلميذ عند كمال الآيات استنتاجات عجيبة ألزمت بها نفسي. أول أحاسيسي هو العتاب، نعم أحسست بأن الآية تعاتبني، تعاتبني على كون الإبل كثير العدد من حولي وكان ولا يزال راحة تاريخي وتراثي ولغتي وأنا لا أنظر لخلقها، ما زاد من الشعور المضاعف بذنب العتاب أن صيغة الآية أتت استفهامية، والاستفهام أتى خصوصا لفعل النظر الذي هو من أبسط الأفعال التي يمكن القيام بها، إذ لا يحتاج الفرد للنظر إلى الأشياء إلا إلى وقوع النظر في اتجاه الأجسام. لا شك أن النظر المقصود مراب ودرجات، وما يرى في الإبل يعتمد على إدراك الناظر وقدرته على التدبر في الخلق العجيب. أيا تكن مرتبة ودرجة النظر فإني رأيت الآية تعاتبني على عدم النظر وتستفهم على استمراري بعدم النظر، ولكن ما خفف على من ألم العتاب هو إحساسي بأن الآية تدعوني أيضا للنظر، إذ إن أبواب رحمة الله دائماً مشرعة للطالب المخلص للمعلومة والتعلم، هذه الدعوة شجعتني للنظر، ولكلما نظرت ازددت شغفا للمزيد من النظر، لدرجة أنني صرت لا أمل من النظر حتى الى دقائق الأجزاء في جسم الناقة والجمل. كنت في بعض الأحيان ابدو وكأنني أرى الإبل لأول مرة في حياتي، أذكر في زيارتي لمسابقة مزاين الإبل لقبيلة مطبر و بالتحديد يوم مزاين الإبل الوضح، أقف وحيداً أمام غرف العرض التي تحوي النوق الدق (أي الصغيرة)، قضيت ما يقارب النصف ساعة من النظر المرفوف حول جمال النوق و الفروقات بينها، وما قطع رفرفتي و أعادني إلى أرض واقع المسابقة إلا استفهام صبي ارسله أبوه لإحكام إغلاق العرض، كان الصبي عبدالله المثابر يسألني الى ماذا انظر، متعجبا لطول نظري الى هذه النوق خصوصا أن الوقت هو وقت الاستراحة والاستمتاع بشرب الشاي والقهوة، سألته دون الإجابة على سؤاله “هل نظرت الى باطن أفواه هذه البكرات؟” “هل لاحظت اختلافات فيما بينها، خصوصا باللون؟” “هل تعرف لماذا بعضها لهن لثة وردية وأخريات لهن لثة مسودة داكنة؟”، نظر إلى مستغربا للحظات وأنا انتظر الإجابة، أجابني “لم ألاحظ”، ومضى راجعا لأبيه. أدركت حينها أنني بدأت العمل بمضمون الآية الشريفة، وأن الله قد أكرمني بالقدرة على النظر الى الإبل بنظرة مختلفة. إن تأجيل الحديث عن الآية الكريمة إلى ختام هذا الجزء اليسير من رحلتي حول الجمل هو لغرض أن يكون ما ذكرته في الصفحات الأولى من الكتاب عملاً بالآية الكريمة من الدعوة للنظر الى الإبل، أحببت أن أضع نظري للإبل في سطور كمجهود بسيط للدعوة الإلهية ودعاءً لاستمرار التوفيق في النظر المستقبلي للإبل وعجائب خلقه
hhalhaddad@gmail.com
Genome
H. Wu et al., Camelid genomes reveal evolution and adaptation to desert environments. Nat Commun 5, 5188 (2014).
R. R. Fitak, E. Mohandesan, J. Corander, P. A. Burger, The de novo genome assembly and annotation of a female domestic dromedary of North African origin. Mol Ecol Resour 16, 314-324 (2016).
Jirimutu et al., Genome sequences of wild and domestic bactrian camels. Nature Communications 3, 1202 (2012).
Sequence
M. Al-Swailem et al., Sequencing, analysis, and annotation of expressed sequence tags for Camelus dromedarius. PLoS One 5, e10720 (2010).
R. R. da Fonseca, W. E. Johnson, S. J. O’Brien, M. J. Ramos, A. Antunes, The adaptive evolution of the mammalian mitochondrial genome. BMC Genomics 9, 119 (2008).
N. A. Wani, B. S. Vettical, S. B. Hong, First cloned Bactrian camel (Camelus bactrianus) calf produced by interspecies somatic cell nuclear transfer: A step towards preserving the critically endangered wild Bactrian camels. PLoS One 12, e0177800 (2017).
E. Mohandesan et al., Mitogenome Sequencing in the Genus Camelus Reveals Evidence for Purifying Selection and Long-term Divergence between Wild and Domestic Bactrian Camels. Sci Rep 7, 9970 (2017).
P. Cui et al., A complete mitochondrial genome sequence of the wild two-humped camel (Camelus bactrianus ferus): an evolutionary history of camelidae. BMC Genomics 8, 241 (2007).
STR
D. Evdotchenko, Y. Han, H. Bartenschlager, S. Preuss, H. Geldermann, New polymorphic microsatellite loci for different camel species. Molecular Ecology Notes 3, 431-434 (2003).
D. N. Mburu et al., Genetic diversity and relationships of indigenous Kenyan camel (Camelus dromedarius) populations: implications for their classification. Animal Genetics, (2003).
F. Almathen et al., Ancient and modern DNA reveal dynamics of domestication and cross-continental dispersal of the dromedary. Proc Natl Acad Sci U S A 113, 6707-6712 (2016).
H. Mahmoud, Genetic variability of camel (Camelus dromedarius) populations in Saudi Arabia based on microsatellites analysis. African Journal of Biotechnology 11, (2012).
M. Sadder, H. Migdadi, A. Al-Haidary, A. Okab, Identification of simple sequence repeat markers in the dromedary(Camelus dromedarius) genome by next-generation sequencing. Turkish Journal of Veterinary and Animal Sciences 39, 218-228 (2015).
M. W. Bruford, D. G. Bradley, G. Luikart, DNA markers reveal the complexity of livestock domestication. Nat Rev Genet 4, 900-910 (2003).
P. B. Spencer, K. J. Wilson, A. Tinson, Parentage testing of racing camels (Camelus dromedarius) using microsatellite DNA typing. Anim Genet 41, 662-665 (2010).
U. Schulz et al., The Canarian Camel: A Traditional Dromedary Population. Diversity 2, 561-571 (2010).
B. Chuluunbat, P. Charruau, K. Silbermayr, T. Khorloojav, P. A. Burger, Genetic diversity and population structure of Mongolian domestic Bactrian camels (Camelus bactrianus). Anim Genet 45, 550-558 (2014).
S. Parasad et al., Genetic characterization of Malvi camel using Microsatellite markers. DHR International Journal of Biomedical and Life Sciences 5, 286-296 (2014).
SNPs
A. Ishag, M. Reissmann, K. J. Peters, L. M.-A. Musa, M.-K. A. Ahmed, Phenotypic and Molecular Characterization of Six Sudanese Camel Breeds. South African Journal of Animal Science, (2010).
P. A. Burger, N. Palmieri, Estimating the Population Mutation Rate from ade novoAssembled Bactrian Camel Genome and Cross-Species Comparison with Dromedary ESTs. Journal of Heredity 105, 933-940 (2014).
S. Prasad et al., Identification of SNPs and their validation in camel (Camelus bactrianus and Camelus dromedarius). Journal of Agriculture and Veterinary Science, (2014).
M. C. Penedo, A. R. Caetano, K. Cordova, Eight microsatellite markers for South American camelids. Anim Genet 30, 166-167 (1999).
RFLP
M. G. Shah, M. Reissmann, A. S. Qureshi, H. J. Schwartz, Evaluation of six camel breeds for heterozygocity through restriction fragment length polymorphism. Pakistan Veterinary Journal, (2008).
M. G. U. Shah et al., Determination of genotype differences through restriction endonuclease in Camels (Camelus dromedarius). African Journal of Biotechnology 11, 11543-11547 (2012).
RAPD
K. F. Mahrous, H. A. I. Ramadan, S. H. Abdel-Aziem, M. A.-E. Mordy, D. M. Hemdan, Genetic variations between camel breeds using microsatellite markers and RAPD techniques. Journal of Applied Biosciences, (2011).
S. C. Mehta, B. P. Mishra, M. S. Sahani, Genetic differentiation of Indian camel (Camelus dromedarius) breeds using random oligonucleotide primers. Animal Genetic Resources Information 39, 77-88 (2011).
Domestication
P. Magee, When was the Dromedary Domesticated in the Ancient Near East? Zeitschrift für Orient-Archaeologie, (2015).
Dr. Bader Alhajeri and I visited Alotham farm in Abdili, Kuwait. Adel Alothman, a recent graduate of the Zoology program, arranged the trip to his family farm. We collected hair samples for our Cdrom archive and examined our instruments for body measurements. We thank Alothman family for allowing us to sample their camels. We thank Abo Mohammed, the camel handling worker, for his patience and help for three hours.
Hasan Alhaddad
We visited Al-Hasa, KSA on 4-5/11/2016 in order to meet Dr. Faisal Almathen at the Camel Research Center in King Faisal University (KFU). We spent the first day at the KFU School of Veterinary Medicine where we admired the amazing infrastructure projects at KFU and the facilities that aid in providing a pleasant academic atmosphere. In a meeting that lasted over three hours, we discussed with Dr. Faisal Almathen the state of camel research and the possible collaborative short and long-term projects. We spent the rest of the day exploring Al-Hasa with Dr. Fasial.
The second day was devoted to research. We drove to the Camel Research Center in the morning, where Dr. Faisal made the necessary arrangements prior to our arrival. Our main objective was to collect samples from the three available camel breeds—three individuals of each of the Megaheem, Wadh, and Sufor breeds were prepared prior to our arrival. The Megaheem camels are the dark-colored breed, whereas the Wadh are the light-colored breed, and the Sufor are the brown-colored breed. We met Dr. Watheq at the center, an expert camel researcher, along with Abdulraheem and Abo Alhasan—two camel workers who are experts at handling camels. We spent around six hours sampling the camels.
We attach some photos from the visit below. We thank thank Dr. Faisal, Dr. Watheq, Abdulraheem, and Abo Alhasan for their help during our trip.
Camalids are ‘camel-like’ mammals (characterized by long legs and necks) belonging to the family Camelidae (of which Camelinae is the only extant subfamily). This group consists of three extant genera: Camelus, Vicugna, and Lama. The first genus includes both the Arabian single-humped dromedary camel: Camelus dromedaries and two species of the Mongolian two-humped Bactrian camel: Camelus bactrianus (domesticated Bactrian) and Camelus ferus (wild Bactrian)—this genus, along with extinct relatives belongs to the tribe Camelini. The other two genera consists of South American camelids: the alpaca (Vicugna vicugna and Vicugna pacos) and the Llama (Lama glama and Lama guanicoe), both of which belong to the tribe Lamini.
As part of our ongoing effort, at the Jamalid Report research group, to study the dromedary and associated camelids, during my most recent visit to the United States Museum of Natural History (in August 2016), I spent some time examining the camelid skeletons housed at their Museum Support Center. The Support Center is a facility that houses >54,000,000 items of the Smithsonian’s collection, that are not on display. I am grateful to Mr. Darrin Lunde, the USNM Mammals Collection Manager, for arranging this visit. The examination of the camelid skeletons gave me an appreciation for the similarities (and differences) that occur in this group—I was especially struck by the extensive similarities in the crania and dentition. This experience was insightful, and will undoubtedly prove useful, in our ongoing exploration of this interesting, yet relatively understudied, group—the first step of which consists of examining the extent of morphological (and molecular) variation in dromedary camel breeds.
Pictures of some of the camelid skeletons examined at the USNM collection follow.